الشيخ محمد بنارس الأويسي
خلال طفولته، يتذكر الشيخ أنه كان يمتلك حبًا كبيرًا وتعلقًا شديدًا بحياة أولياء الله ﷻ. تطور هذا الحب وقاده إلى زيارة أضرحة العديد من العارفين البارزين في باكستان. كان لديه ارتباط خاص بمقام بير شاه غازي (دامري والي سرکار) ومقام ميا محمد بخش في خاري شريف. غالبًا ما كان يحضر المجالس في هذه الأضرحة ويشارك في أعمال الخدمة مثل توزيع الطعام والمساعدة في صيانة المكان. من خلال هذا الحب والتفاني، كثيرًا ما كان يُكافأ برؤى روحانية لعظماء أمثال الشيخ عبد القادر الجيلاني، وداتا علي الهجويري، وبابا فريد الدين گنج شكر (رحمهم الله جميعًا). قضى الشيخ محمد بنارس عويسي سنوات شبابه ملتزمًا بالشريعة، وكان دائم المشاركة في مجالس ذكر الله ﷻ. اتبع القيم الإسلامية الكلاسيكية مثل قول الحق دائمًا بغض النظر عن الظروف. وكان إذا أعطى وعدًا في أمر ما، لم يتراجع عنه أبدًا، إذ كان يعلم أن نزاهة لسان المؤمن وإيمانه متلازمان. في سنوات رشده، وجد الشيخ أن علاقته بالدنيا أصبحت بعيدة أكثر فأكثر مع مرور الأيام، مما أدى إلى شعوره بالإحباط بسبب الغفلة التي باتت تظهر في رفض البشر لأوامر الله ﷻ ورسوله الكريم ﷺ. كان المصدر الوحيد الذي يخفف شعور الشيخ بعدم الرضا هو أن يكون في حالة ذكر دائمة لله ﷻ. كان يقضي الأيام والليالي في قراءة القرآن، والصلاة على النبي ﷺ، والسجود لله بتذلل واستسلام. بعد أن تلقى إشارات متعددة، وبصفته محبًا حقيقيًا لأولياء الله ﷻ، قرر الشيخ أن يسير على خطاهم ويدخل في حالة من الخلوة. الخلوة هي حالة يبتعد فيها العبد عن تجارب الدنيا وملذاتها، ويكرس كل تركيزه على عبادة الله ﷻ. هذه المنهجية جُرّبت وثُبِتت فائدتها من قِبل العديد من العظماء في الماضي. قضى الشيخ ثلاثة أشهر ونصف في خلوة غارقة تمامًا في ذكر الله ﷻ، حتى طهّر قلبه من فساد النفس والدنيا. كان في حالة من الرهبة والخوف المستمر من الله ﷻ، وكان يمضي معظم لياليه باكيًا بين يدي خالقه، متوسلًا إليه المغفرة والقبول ليكون من عباده الصالحين. في هذه الحالة الروحانية العميقة، تلقى الشيخ أول فتح عظيم له. أحسّ بتنقية مسارات قلبه وإضاءتها، وانكشفت له الحجب عن رؤى روحية عظيمة، كلها من فضل الله ﷻ. خلال هذه الفترة، نوى الشيخ أداء الحج. قبل أن يبدأ تحضيراته للحج، تلقى أمرًا روحانيًا بأن يذهب أولاً إلى موطنه في باكستان ويتوب توبة صادقة مع أهله وأصدقائه. بعد أن أتم هذه المهمة، سُمح له بالاستمرار في رحلته المقدسة. عند وصوله إلى المدينة المنورة، شعر الشيخ بمرض شديد حال دون تمكنه من زيارة روضة النبي ﷺ.
“وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا” (سورة النساء: ٦٤) في هذه اللحظة، بينما كان يبكي بحرقة، رأى نورًا عظيمًا يدخل غرفته، حيث حظي بالرؤية المباركة للنبي ﷺ. وقال له النبي ﷺ إن مرضه مؤقت وإنه سيُشفى قريبًا، وأوصاه بالدخول في خلوة لمدة 41 يومًا عند عودته. قال رسول الله ﷺ: “من رآني في المنام فقد رآني حقًا، فإن الشيطان لا يتمثل بي” (صحيح البخاري وصحيح مسلم) بعد عودته من الحج والخلوة الثانية، وجهه الله ﷻ إلى التركيز على خدمة الإنسانية من خلال الأعمال الخيرية. أدى هذا التوجيه إلى تأسيس مؤسسة مدينة غوثية التي تعمل على تقديم الدعم الإنساني، وإنشاء مراكز تعليمية، وحفر آبار مياه، وبناء المساجد. بسبب براعته الروحية، وُجّه الشيخ أيضًا للقيام بالرقية الشرعية لمن يعانون من الأمراض الجسدية والروحية. بفضل الله ﷻ، ساعد العديد من الأشخاص على الشفاء من الحسد والعين والسحر، مستعينًا بالقرآن والسنة. من خلال جهود الشيخ، أعلن المئات إسلامهم، وكثيرًا ما أُبلغ عن رؤى روحانية لأشخاص شهدوا الشيخ في أحلامهم يدعوهم للإسلام، رغم أنهم لم يلتقوا به قط. قال الله ﷻ: “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (سورة يونس: 62) نسأل الله ﷻ أن يبارك في الشيخ محمد بنارس أويسي، وأن يجعلنا من عباده الصالحين, آمين
© 2025 تم تطويره بواسطة Caspianwinds